سورة الأعراف - تفسير تفسير ابن عجيبة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


يقول الحقّ جلّ جلاله: {ثم بعثنا} من بعد الرسل المتقدمين {موسى} بن عمران {بآياتنا}: بمعجزاتنا الدالة على صدقه، {إلى فرعون ومَلَئِهِ فظلموا بها} أي: طغوا بسببها، وزادوا عتوًا على عتوهم، {فانظر كيف كان عاقبة المفسدين} كيف غرقوا عن آخرهم، وأكلهم البحر.
الإشارة: إذا أراد الله تعالى أن يُهلك قومًا بعث إليهم من يُذكرهم، فإذا زادوا في العتو والطغيان عاجلهم بالعقوبة. ذكر الشعراني: أن مدينة بالمشرق صنعوا وليمة يتنزهون فيها، فخرجوا إلى بستان، فلما صنعوا الطعام دخل عليهم فقير، فقال: أعطوني، فأعطوه، ثم قال: أعطوني فزادوه، ثم قال أعطوني، فجروه حتى أخرجوه، فأرسل عليهم مَن أخرجهم من تلك المدينة وخربها، فهي خربة إلى اليوم. سبحان المدبر الحكيم الواحد القهار!.


قلت: من قرأ: {عليّ}؛ بشد الياء، فحقيق: مبتدأ، و{عليّ}: متعلق به، و{ألاَّ أقول}: خبره، أي: حقيق عَلَيَّ قولُ الحق. ومن قرأ: {عَلَى}؛ بالتخفيف، فحقيق: صفة لرسول، و{على}: حرف جر، و{ألاَّ أقول}: مجرور، أي: إني رسول حقيق على قول الحق، وعدَّاه بعلى؛ لتضمنه معنى حريص، أو تكون {على} بمعنى الباء أي: حقيق بقول الحق، وقد يبقى على أصله لأمن الالتباس؛ والمعنى: حقيق على قول الحق أنا أكون أنا قائله، لا يرضى إلا مثله ناطقًا به. انظر البيضاوي.
يقول الحقّ جلّ جلاله: {وقال موسى يا فرعونُ إني رسولٌ من ربِّ العالمين حقَيقٌ} واجب {على أن لا أقول على الله إلا الحقَّ}؛ لأنني معصوم من النطق بغيره، فإن كذَّبتني فقد {جئتكم ببيّنة من ربكم} أي: بمعجزة واضحة، تدل على صدقي، وهي العصا: {فأرْسِلْ معي بني إسرائيل} أي: فخل سبيلهم، حتى يرجعوا معي إلى الأرض المقدسة: التي هي وطنُ آبائهم، وكان قد استعبدهم واستخدمهم في الأعمال الشاقة؛ وذلك أنه لما تُوفِّي يوسف عليه السلام غلب عليهم فرعونُ واستعبدهم حتى أنقذهم الله على يد موسى، وكان بين اليوم الذي دخل فيه يوسف مصر واليوم الذي دخله موسى رسولاً إلى فرعون: أربعمائة عام.


قلت: يقال: أرجأ، بالهمز، يرجىء بمعنى آخر؛ فمن قرأ بالهمزة فعلى الأصل، ومن قرأه بغير الهمزة فيحتمل أن يكون بمعنى المهموز، وسهلت الهمزة، أو يكون بمعنى الرجاء، أي: أطعمه، وأما ضم الهاء وكسرها فلغتان، وأما إسكانها فلغة؛ أجرى فيها الوصل مجرى الوقف. وقد تتبع البيضاوي توجيه القراءات، فانظره إن شئت.
يقول الحقّ جلّ جلاله: {قال} فرعون لموسى عليه السلام: {إن كنتَ جئتَ بآيةٍ} مَن عند مَن أرسلك، كما ذكرتَ، {فأتِ بها} وأحضرها ليَثبت بها صدقك {إن كنت من الصادقين} في دعواك، {فألقى عصاه فإذا هي ثعبانٌ مبين} أي: ظاهر أمره، لا يشك في أنه ثعبان، وهي الحية العظيمة.
رُوِي أنه لما ألقاها صار ثعبانًا أشعر، فاغرًا فاه، بين لحييه ثمانون ذراعًا، وضع لحيه الأسفل على الأرض والأعلى على سور القصر، ثم توجه نحو فرعون، فهرب منه وأحدَثَ، وانهزم الناسُ مُزدحمين، فمات منهم خمسة وعشرون ألفًا، وصاح فرعون: يا موسى، أنشدك الذي أرسلك خذه، وأنا أُومن بك، وأرسل معك بني إسرائيل، فأخذه فعاد عصًا. قاله البيضاوي.
ثم أظهر له معجزة أخرى: {ونَزَعَ يدهُ} من جيبه، أو من تحت إبطه، {فإذا هي بيضاءُ للناظرين} أي: بيضاء بياضًا خارجًا عن العادة، يجتمع عليها النظارة، أو بيضاء للنظار، لا أنها كانت بيضاء في خلقتها، بل كانت شديدة الأدمة كلون صاحبها. رُوِي أنه كان شديد الأدمة فأدخل يده في جيبه أو تحت إبطه، ثم نزعها، فإذا هي بيضاء نورانية، غلب شعاعُها شعاعَ الشمس.
{قال الملأُ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم}، قيل: هو وأشرافُ قومه، على سبيل المشاورة في أمره، فحكى عنه في سورة الشعراء، وعنهم هنا، أو قاله هو ووافقوه عليه، كعادة جلساء الملوك مع أتباعهم. {يريد أن يُخرجكم من أرضِكم} بالحيل، أو بالقتال، أو بإخراج بني إسرائيل، وكانوا خدامًا لهم، فتخرب البلد من بعدهم، لأنهم خدامها وعمارها. قال فرعون: {فماذا تأمرون} أي: تُشيرون عليَّ أن أفعل؟ {قالوا أرجِه} أي: أخّره {وأخاه} أي: أخرّهما حتى تنظر في أمرهما، وقيل: أمروه بسجنهما، {وأرسل في المدائن} أي: مدائن عمالتك {حَاشرين} يحشرون لك السحرة، {يأتوك بكلِّ ساحرٍ عليم}.

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14